
المهدوية
الروضة و الحضرة
السيد الإمام
محمد مهدي بهاء الدين علي الصيادي
"الـرواس"



إصبر يا مريدحتى الله يريد
يقول إمامنا محمد مهدي آل خزام الصيادي الرفاعي الثاني - قدس سره - الشهير بـ (الرواس) في ديوانه (معراج القلوب):
و قلت و نشأة الوجد السيارة، و همة القلب الطيارة، جذبت منا زمام اللسان، لصحيح البيان:
من كان عبداً لقوم فليوف بهم
شرط العبودية الخلصاء بـ (الأدب)
و يشتغل بهم عن شأن غيرهم
ولو تمزَّق بين الكدَّ والنصب
ما أعجب البعض في دعوى الهوى زلقوا
وقد تمادوا وجاسوا الحي بالكذب
———————————
*الحلقة الرابعة*
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم:((إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : سَمِعْتُ الْهَيْثَمَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، يَقُولُ : لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِدَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لِغَيْرِهِ ، وَعَدَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا ، فَهِيَ تُقْرَأُ ، يَعْنِي : إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، تَكُونُ لَهُ وَلِوَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ : إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ عَلَيْهِ السَّلامُ :" وَفَّيْتَ ، فَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ " ،وَذَلِكَ أَنَّ الإِيمَانَ كَانَ فِي قَلْبِهِ
يقول أهل الله تعالى: ما اتصل من اتصل إلا بالتزام الأدب، و ما انفصل من انفصل الا بترك الأدب!
————————————
السلام عليكم و رحمة الله و الصلاة و السلام على رسول الله و من والاه:
أما بعد:
لقد ألّف أهل الصوفية الأعلام كالإمام الشعراني رحمه الله، كثيرا من المؤلفات العظيمة و الرسائل اللطيفة مشتملة على أمور نفيسة عن علاقة المريد بشيخه المربي، و قد تعمق أهل الذوق بشرح هذه العلاقة المهمة و الخطيرة في نفس الوقت لكي يستدل التلميذ على أمور تساعده في إتمام سلوكه على يد شيخه للوصول إلى أعلى المراتب. و هذه المؤلفات متوفرة بين أيدي الناس، سهلة المنال و لكن صعبة الفهم على المتكبر المتعال. و للسادة الرفاعية الأعلام، الذي هو مشربنا العالي المقام، كتب قيمة عظيمة تتحدث في هذا الموضوع أذكر منها كتاب إمامنا محمد مهدي آل خزم الصيادي الرفاعي الثاني الشهير بـ (الرواس) قدس سره (مراحل السالكين) و كتاب وارثه و تلميذه الأديب سيدنا الإمام محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي قدس سره (العقد النضيد في آداب الشيخ و المريد) و غيرها من الكتب القيمة. و لا يخفى على مريدي الطريقة الرفاعية اليوم المنتظمين في سلك السادة الأحمدية و المنتمين لمدرسة الروضة الهدائية في حماة المحمية ما تم جمعه و طبعه بخصوص هذا الموضوع في كتاب “تربية المريد ليكون من خيرة العبيد” بإشراف العارف بالله ركن هذه الطريقة سيدنا عبد الحكيم بن عبد الباسط السقباني الدمشقي رضي الله عنه و عنا به و قد كان ذلك قبل ٤٠ سنة تقريبا. و لكن تمشاياً مع واقعنا الحاضر و ما عليه البعض من الناس اليوم أحببت أن أنقل كلام لأحد العلماء العاملين الأوفياء بخصوص هذا الموضوع قد صاغ المؤلف كلماتها بعبارات سلسة يعبر فيها عن آداب وواجبات الصحبة تهم كل مريد اليوم و سنذكرها على عدة حلقات متتاليات إن شاء الله تعالى.
و اعلم أخي وفقك الله أن للأدب مراتب، فلا أدب حاصل مع الله عز و جل إلا بالتزام الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إشارة إلا ما جاء في كتاب الله:((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)). و لا أدب حاصل مع رسول الله تعالى إلا بالتزام الأدب مع شيخك المتصل بحضرة رسول الله عليه أعظم صلوات الله.
وقد أشار الله تعالى في قرآنه الكريم إلى هذه العلاقة بين المريد و الشيخ (أو المتعلم و العالم) في سورة الكهف و بيّنها لنا في قصة سيدنا موسى عليه و على نبينا أفضل الصلاة و السلام و سيدنا الخضر عليه السلام حين قال:
((قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا، قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا))
و في شرح تلك الآيات العظيمة يقول ابن كثير رحمه الله:
يخبر الله تعالى عن قيل موسى ، عليه السلام لذلك الرجل العالم ، وهو الخضر، الذي خصه الله بعلم لم يطلع عليه موسى، كما أنه أعطى موسى من العلم ما لم يعطه الخضر، (قال له موسى هل أتبعك) سؤال بتلطف، لا على وجه الإلزام والإجبار. وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم . وقوله : (أتبعك) أي : أصحبك وأرافقك ، (على أن تعلمني مما علمت رشدا) أي : مما علمك الله شيئا ، أسترشد به في أمري ، من علم نافع وعمل صالح . فعندها قال الخضر لموسى: (إنك لن تستطيع معي صبرا) أي: أنت لا تقدر أن تصاحبني لما ترى مني من الأفعال التي تخالف شريعتك؛ لأني على علم من علم الله، ما علمكه الله، وأنت على علم من علم الله، ما علمنيه الله، فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه، وأنت لا تقدر على صحبتي. (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) فأنا أعرف أنك ستنكر علي ما أنت معذور فيه ، ولكن ما اطلعت على حكمته ومصلحته الباطنة التي اطلعت أنا عليها دونك. (قال) له موسى: (ستجدني إن شاء الله صابرا) أي: على ما أرى من أمورك، (ولا أعصي لك أمرا) أي: ولا أخالفك في شيء. فعند ذلك شارطه الخضر. (قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) أي: ابتداء (حتى أحدث لك منه ذكرا) أي : حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني .
(انتهى ما جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله)
و من هنا فعلى المريد الصادق أن يلتزم كامل الأدب مع جميع الخلق عموما و مع أولياء الله تعالى خصوصاً. و بهذا يقول السيد محمد بن أحمد البوزيدي الشاذلي رحمه الله في كتابه (الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية):
بالأدب الظاهر يحصل أدب الباطن، أعني التعظيم، إذ سوء الأدب ينشأ عن عدم التعظيم، و عدم التعظيم من ضعف المحبة، و ضعف المحبة من التفات القلب إلى الغير، فلو حصلت المحبة لحصل التعظيم، و لو حصل التعظيم لحصل الأدب، و لو حصل الأدب لحصل التحقيق. فكن يا أخي موافقاً لأستاذك، في جميع أقوالك و أفعالك، ليمتزج حسّك بحسه، و معناك بمعناه، و حيسنئذٍ يفتح لك باب حضرة الأولياء و الملائكة، ثم باب رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم باب حضرة الحق تعالى، فرحم الله من تفرغ لمحبة الرجال.
من آداب المريد الظاهر:
١. أن لا يُكثر الجلوس مع الشيخ لئلا يزول عنه التعظيم، و كثرة الجلوس مع قلة التعظيم لا تزيد المريد إلّا بُعداً.
و من هنا كان لملوك الدنيا أدباء و أمراء و بوابون و حراس، و لو أن كل من جاء دخل عليهم من غير مشورة و لا أدب و لا تعظيم لسقطت حرمة الملك و صغر قدره، و لخسر الملك فافهم. وكذلك مجلس (ملوك الآخرة)، إذا كثر فيه سوء الأدب، و امتنع الشيخ للمريدين، فيظهر عليهم الضعف و التكاسل و كثرة الكلام، ويبقى المجلس إذ ذاك عارياً عن كسوة الأنوار، فافهم.
٢. أن لا يُكثر الضحك مع الشيخ، وإن ضحك معه فليقصر هو و ليراعِ الأدب، و قد يكون ذلك من الشيخ اختباراً له لينظر مقامه في الأدب، فافهم.
و ليكن على حذر، لأن هذه علل تؤدي صاحبها إلى المقت، و من ظهر عليه شيء منها فالواجب عليه أن يبادر إلى التوبة، وأن يلزم نفسه الحياء من الشيخ، و ليجامدها في الخروج من طبع أهل اللهو و اللعب، فإن ((الشيخ على ما قدر ما يكون عندك تكون عنده))، فإن أردت أن تعرف ما عندك من حرمة الله وحرمة رسوله صلى الله عليه و سلم فانظر ما عندك من حرمة شيخك عليك، فافهم.
…يتبع