
المهدوية
الروضة و الحضرة
السيد الإمام
محمد مهدي بهاء الدين علي الصيادي
"الـرواس"



إصبر يا مريد حتى الله يريد
يقول مربي الأجيال و مرشد السلَّاك إلى طريق الحق بالحال و القال سيدنا القطب الغوث محمود الشقفة رضي الله عنه:
عليك بالصبر و الإخلاص في العمل
و لازم الخير في حِلٍّ و مرتحل
و احذر مساوىء أخلاق تُشان بها
و أسوءُ السوءِ (سوءُ الخلق) في الرجال
و الزم متابعةً للمصطفى أبداً
فالله ربي بها يهديك للسُّبُل
هذي الوصيةُ في الأسحار مرسلة
لسر قلبك يا (بسام) فابتهل
————————————
*الحلقة الثاالثة* - القسم الأول
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه
أما بعد:
ما زلنا معكم في حلقات (اصبر يا مريد حتى الله يريد). و هذه الحلقة هي من كلمات شيخنا الكبير و العالم النحرير سيدنا محمود الشقفة الشهيد السعيد. و هي جزء من دروس و مذكرات كان يكتبها هذا القطب الغوث لولده الروحي الأسعد و مريده الصادق الأوحد، صاحب المواهب الإلهية و النفحات المحمدية (كما صرح بذلك عنه شيخه النائب عن السيد أحمد الرفاعي قدس سره). و قد أخبرنا الشيخ (الصابر) المجاهد سيدنا عبد الحكيم بن عبد الباسط الملقب بـ (رسول الغيب) عن هذه الدروس أنها رسائل يستفيد منها الشيخ و المريد، و الأستاذ و التلميذ، و الوالد و الولد، و تسفيد منها الخاصة و العامة. و قد جمعها - محبوب آل واسط - رضي الله عنه في كتاب سماه (منهج تربية المريد ليكون من خيرة العبيد) و قال عنه ما نصه:
((قد أُودع فيها من العلم أنفعه و من الكلم أجمعه لا يستهين بها إلَّا حاسد جاحد، أو مكابر معاند - حمانا الله من الحرمان و من ضعف اليقين و نقص الإيمان، و جعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه - فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها)) - انتهى.
و كم نحن بحاجة إلى هذه الدروس اليوم و التي كتبت قبل ٤٠ سنة تقريبا، و في هذا الزمن العجيب الذي كثرت فيه الضجرة و ازدادت من الناس النفرة. فهذه الدروس تدل السالك و المريد الصادق على المعنى الحقيقي للصبر في قوله تعالى: ((و ما صبرك الا بالله))
و ما توفيقنا إلا بالله …
-----------
يقول سيدنا الشهيد السعيد أبي عبد الرحمن محمود الشقفة الرفاعي الحسيني رضي الله عنه و أرضاه في بيان ما ترمي إليه هذه الأبيات الحكيمة الفريدة:
الصبر على ثلاثة أقسام: صبر عن، و صبر على، و صبر في
فالأول: هو حبس النفس و ردعها عن فعل السوء و الشر و دواعي الهوى و الشهوة
و الثاني: هو أن يحبس المؤمن نفسه و يوطنها على تحمل الرزايا و الأمراض و المصائب
و الثالث: هو أن يحبس المؤمن نفسه و يمنعها عن التقهقر في مواطن الخوف و القتال.
انظر (أيها المريد) إلى بلاغة القرآن الكريم حيث يُشير الى هذه الأقسام الثلاثة في آية واحدة بكل روعة و إيجاز فيقول تعالى جلَّت حكمته:
((و الصابرين في البأساء و الضَّراء و حين البأس))
فالبأس و الضراء: هما الضيق و الفقر و المرض، و البأس هو الحرب.
اعلم (أيها المريد) ان الله عز و جل حث على الصبر بأقسامه الثلاثة و رغَّبَ فيها فقال سبحانه:
((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب))
و قال:
((استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين))
هذه (المعية) لا يقدرها إلا (الأقطاب العارفون)
و بعد هذا فكر (أيها المريد) في بشارات سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في فوائد و مثوبات الصبر إذ يقول - أرواحنا له الفداء - :
((ما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً و أوسع من الصبر))
و يقول في حديث آخر صلى الله عليه و سلم:
((ما يصيب المسلم من نصب و لا وصب و لا هم و لا غم و لا حزن و لا أذى حتى الشوكةُ يُشاكها إلا كفَّرَ الله بها من خطاياه))
قولنا في النظم (و الإخلاص في العمل):
الإخلاص (أيها المريد): هو أن يعمل العبد العمل خالصاً لوجه الله سبحانه لا يُريد به ثناء الناس عليه و احترامهم له، و لا يعمله لينال عَرضاً من أعراض الدنيا كالمال و الوظيفة و ما أشبه ذلك.
فالعمل (أيها المريد) لشيء من هذه الفانيات الدنيوية حابط هابط لا يقبله الله سبحانه بل و يضرب به وجه صاحبه يوم القيامة كما جاء في الحديث القدسي الشريف:
((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عَمِلَ عَمَلاً أشرك فيه معي غيري تركته و شركه))
يؤيِّد هذا الحديث الشريف يا (أيها المريد) قول الله جل ذكره:
((ألا له الدين الخالص))
و أخيراً أنظر (أيها المريد) الى هذا الإنذار الصريح و التحذير الشديد من حضرة رسول الله صلى الله عليه و سلم رذ يقول - أرواحنا له الفداء -:
((من تعلَّمَ علماً مما يُبْتغى به وجهُ الله عز و جل لا يتعلَّمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة))
(أيها المريد) قولنا في النظم (و لازم الخير)، دليله قول الله جل ذكره:
((يا أيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربكم و افعلوا الخير لعلكم تفلحون))
…يتبع